لا تجعل مسألة التقدم بالعمر تكدر صفوك، التحلي بمظاهر السعادة يجلب السعادة عن حق. يوجد أشخاص سعداء بحق. فقد وجد باحثون من المعهد الوطني الأميركي للشيخوخة، أن اقتناع المرء بما هو عليه، بمعنى التصالح مع الذات وتقبل الظروف بهدف تحسينها، أمر له تأثير إيجابي كبير جدّاً في تحسين الحالة المعنوية والنفسية وأيضاً الصحية وبالتالي تحقيق السعادة المرجوة.
استغل كل فرصة في حياتك في دراسة، أجراها هؤلاء الباحثون على عينة عشوائية من الأشخاص استمرت عشر سنوات، تبين أنّ الذين كانوا يتحلون بمزاج سعيد في بداية الدراسة لم تتغير حالهم بعد عشر سنوات رغم تغير الحالة الإجتماعية للفرد (أعزب أم متزوج) والعمل ومكان السكن والإقامة. ثمّ أخبار جيِّدة في هذه النتائج: وهو أنّ السلوك الإيجابي، خصوصاً عند مواجهة الصعاب، طريق مضمون نحو السعادة والعثور دائماً على مدخل جديد لتجديد هذا الشعور. ما الذي يحقق المزاج السعيد؟ مَن هم هؤلاء الأشخاص الذين يستطيعون الحفاظ على معنويات عالية ويحتقرون المحبطات؟ هناك أربع سمات أساسية تحقق السعادة وتحافظ عليها:
- إحترام الذات: السعداء دائماً يحبون أنفسهم. الكثير من الدراسات في علم النفس أثبتت أن مؤشر الرضا في الحياة بشكل عام لم يكن أساسه العائلة أو الأصدقاء أو الحالة الإقتصادية (العمل والراتب) بل الشعور بالرضا عن النفس أوّلاً وأخيراً. فالأشخاص الذين يحبون أنفسهم ويتقبلونها يشعرون بشكل أفضل بكثير تجاه الحياة عامة، والقدر والظروف، خاصة علماء النفس والإجتماع ينصحون بإحترام الذات والتصالح معها حتى نكتشف نقاط القوة التي تساعدنا على أن نكون إيجابيين في الحياة. وينصحون أيضاً بالإبتعاد عن الشعور بالشفقة تجاه الذات، وعدم التحدث بالسلبيات. فحتى نكتشف الحب من حولنا يجب علينا أوّلاً أن نحب أنفسنا.
- التفاؤل: السعداء يتسلحون دائماً بالأمل. إنّهم أشخاص يؤمنون انّه إذا ما آمنا بشيء سيتحقق حتماً. وانّه عند الإضطلاع بأي جديد عليك أن تتوقع النجاح قبل كل شيء. ربّما يكون في الأمر بعض من المبالغة. ولكن أن تنظر إلى كأس الحياة من منظور أن نصفه ملآن أفضل بكثير من أن تنظر إليها على أنّ الكأس نصفه فارغ. وهذا ما يفعله السعداء بالضبط.
المتفائلون أيضاً أكثر صحة وعافية. وكثير من الدراسات أثبتت أن ذوي الطباع المتشائمة دائماً يلومون أنفسهم ويحملونها مسؤولية الأشياء السيِّئة. فالقول مثلا أنا مخطأ. ضاعت الفرصة من يدي.. وما شابه ذلك، تظهرنا ضعفاء إلى حد المرض. أما المتفائلون فهم أكثر قدرة على الإستمتاع بالنجاح. كما أنّهم أقل عرضة لكثير من الأمراض مثل: التوتر والكآبة وأمراض السرطانات، وإلتهاب الرئة والمفاصل، لكن انتبهوا يجب ألا يكون الشعور بالتفاؤل مفتعلاً أو مصطنعاً.
- الإنبساط، أو الترفيه: كلما اهتممنا بالترفيه عن أنفسنا أصبحنا أكثر سعادة. فالأمر يتلخص بمكافأة الذات ودفع الضريبة التي تستحقها ذاتنا. فالخروج مع الأصدقاء إلى الطبيعة أو زيارة المشاهد المقدسة، أو الذهاب إلى المعارض الفنية، أو حتى قضاء بعض الوقت في الأسواق كلها نشاطات يمكن أن تضيف الكثير من الشعور بالبهجة والإستمتاع والترفيه عن النفس. وهي تصب بمجملها في تعزيز الشعور بالسعادة وإغتنائه. تجنب العزلة المفرطة، نختلط قدر الإمكان بالمجتمع المحيط بنا قدر الإمكان، نتعرف على أشخاص جدد كلما سنحت الفرصة، نعزز صداقاتنا وعلاقاتنا بأسرتنا وعائلتنا والآخرين بإستمرار.
ضبط النفس: السعداء يؤمنون بإمكانية إختيار الأقدار. ففي إستطلاع للرأي أجرته جامعة ميتشيغن تبين أن معرفة كيف نسير أمورنا وفق قناعاتنا الذاتية وإختياراتنا الشخصية تجعلنا أكثر رضا عن الذات وبالتالي أكثر سعادة وإستقراراً وإيجابية في الحياة. فهناك فرق كبير بين الذين يؤمنون أنّ المرء لا يستطيع السيطرة على الظروف أو التحكم بمجريات الحياة إلى حد ما وبين هؤلاء المؤمنين بأنّهم يقررون نوع الحياة التي يريدون أن يحيوها قبل غيرهم، وهناك فرق كبير بين مَن يقول إنّ العالم تديره حفنة من الرجال الأقوياء، والحياة سائرة بي وبدوني. وبين الذين يقولون أهم شيء في الحياة بالنسبة لي هو أنا، ولا أرضى أن أكون مهملا.
تغذية التحكم بمجريات الأمور تزيد من قوة التحمل وتحسن الصحة وترفع المعنويات. ففي دراسة أجرتها باحثة إجتماعية من جامعة يال، (جوديث رودين)، على مجموعة من المرضى يتلقون العلاج في منازلهم، وجدت أنّ المرضى الذين أعطوا فرصة لخدمة أنفسهم بأنفسهم وأوكلت إليهم بعض المسؤوليات البسيطة والممكنة بحسب حالتهم، وتركت لهم حرِّية إتخاذ القرارات اللازمة، استعادوا عافيتهم بشكل أسرع من سواهم وبدوا أكثر نشاطاً وسعادة. النصائح التي يسديها الخبراء، لكي نكون سعداء، كثيرة وبسيطة في آن. مثل أن نختار كتاباً نقرأه وقت الفراغ بدل مشاهدة التلفاز لساعات طويلة. فالكتاب يمدنا بالشعور بالطمأنينة والثقة بالنفس والغنى الروحي، على عكس التلفاز الذي يترك في داخلنا فراغاً مؤذياً وغربة من نوع لا يمكن تفسيره.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق